«طفلي الصغير لا يكف عن الكذب.. يختلق القصص الوهمية، يوقع بيني وبين أبيه بحكاياته المختلقة، يشعر الآخرين بأنه ليس محل ثقة»، هذه نماذج لشكاوى أمهات عن أطفال استعذبوا الكذب وتعودوا عليه، الأمر الذي يدفعنا لطرح بعض الأسئلة: متى يمكن لنا أن نقرر أن كذب الأطفال يستوجب العقاب قبل ان يستفحل الامر؟ ومتى علينا أن نتقبله بصدر رحب على اعتبار انه شقاوة اطفال لا بد منها؟ وهل هناك علاقة بين عمر الطفل ونوع أكاذيبه؟.
المشكلة التي يحاول الأهل التعايش معها، هي اعتبار هذه الصفة شر لا بد منه، وقد يرفضها البعض الآخر على اعتبار انها خزي وعار يدل على عدم التربية الصحيحة، وان هناك خللا في تقويم سلوك الطفل، لكن قبل الخوض في الناحية النفسية والاجتماعية، لا بأس ان نرى كيف يمكن يؤدي كذب البعض إلى هدم بيوت وتخريب علاقات بعض المعارف. تقول هند، وهي أم لطفل في سن الثالثة والنصف: «لقد كاد ابني أن يجعل زوجي يشك في تصرفاتي. فابني كلما رأى شخصا غريبا ينادي عليه (احمد)، مع اننا في محيط العائلة لا نعرف شخصا اسمه احمد ، وبمرور الوقت اصبح هذا الاسم يشكل هاجسا كبيرا عند زوجي الذي سألني ان كنت اعرف احدا بهذا الاسم. ثم سأل زوجي ابننا عمن يكون احمد هذا، فأخبره انه صديقه الشخصي تعرف عليه من خلال التلفزيون». أما شادن، وهي أم لطفل في الثامنة من العمر، فتقول: «كثيرا ما يضعني ابني في مواقف محرجة للغاية بسبب كذبه المستمر، فهو يضرب اصدقاءه في المدرسة، وحينما تسأله المدرسة لماذا فعل ذلك، ينفي تماما انه من قام بذلك. وفي احد الايام تشاجر مع زميل له في الفصل وقام بدفعه فارتطم زميله بأحد الأعمدة الحديدية في فناء المدرسة وشجت رأسه، وكانت مشكلة كبيرة تم استدعاء اولياء الامور فيها مع عقاب ابني بالفصل 3 ايام، بعد أن أصر على كذبه وانه لم يفعل ذلك، ولم يرض بالاعتذار لزميله».
ياسر، وهو أب لطفلة في الثانية عشرة من العمر، كانت له تجربة مماثلة: «لدي ابنة مدللة للغاية، وفي يوم من الايام اختفى خاتم ذهبي ثمين من علبة مجوهرات زوجتي. ولما كان المنزل لا يوجد به غيري انا وابنتي وزوجتي، فقد بحثنا عنه في كل ارجاء المنزل بلا جدوى، وعندما سألناها عنه قالت انها شاهدته آخر مرة معي، وهو ما أشعل مشاجرة كبرى بيني وبين زوجتي، لم تهدأ إلا بعد أن تكشفت لها الحقيقة عندما كانت تنظف البيت ووجدته بين ألعابها». عن هذه الظاهرة، يقول الدكتور فكري عبد العزيز، استشاري الامراض النفسية والعصبية: «تختلف المراحل السنية للكذب عند الاطفال، فهناك الكذب في مراحل العمر المبكرة وهي الفترة ما قبل سن الأربع سنوات تقريبا، وهناك سن ما بعد الاربع سنوات». ويتابع: «الكذب في المراحل المبكرة من العمر كثيرا ما يمكن اعتباره كذبا ابيض ليس فيه أي سوء نية أو تخطيط من الطفل، وغالبا ما يكون سببه خياله الخصب، أو عدم تمييزهم بين الواقع وما قد يكونون قد رأوه في الأحلام. كما قد يكون محاولة من الطفل لجذب انتباه والديه من خلال تأليف بعض القصص، خصوصا إذا شعر بانصراف الاهل عنه، او كان لديه إخوة أصغر سنا منه يستأثرون باهتمام الاهل بشكل أكبر. وعلى النقيض تماما فقد يكون الكذب منبعه ان الأهل يرحبون بهذا النوع من القصص لدى الطفل ويضحكون عليها، مما يشجعه على محاولة اختلاق المزيد منها لإسعادهم وإدخال السرور عليهم كعامل جذب أيضا». ويؤكد الدكتور فكري «ان المرحلة السنية التالية للاربع سنوات هي الاكثر خطرا في تشكيل شخصية الطفل، حيث يلجأ فيها الطفل للكذب في الغالب لحماية نفسه من العقاب، كما انه قد يعاني من بعض النقص فيحاول الكذب للحصول على أشياء الآخرين، وهنا يتطور الكذب الى السرقة طالما الاهل في غفلة عن الاسباب الحقيقية وراء كذبه. كما قد يستعمل الطفل الكذب للانتقام او إبعاد الشبهات عنه تجاه أي تصرف خاطئ يرتكبه، إضافة إلى انه قد يتعلم هذه الصفة من الأهل بسبب كذبهم أمامه. ولعل معظمنا يفعل ذلك بشكل طبيعي بلا أي احساس بالذنب، كأن يقول للطفل، رد على الهاتف وقل اني غير موجود بالمنزل. كما قد يمتدح الاهل شخصا بوجود اطفالهم ومن بعد رحيله يذمونه ويقولون عنه عكس كل ما قيل من قبل، ومن هنا يترسخ في نفسية الطفل ان الكذب شيء عادي طالما أن والديه يفعلان ذلك. ولا بد هنا من التأكيد على ان الطفل هو انعكاس لتصرفات الأهل وسلوكياتهم».
أما عن كيفية علاج حالات الكذب عند الاطفال، فيؤكد الدكتور محسن الصيرفي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان: «فهي طريقة التعامل معه. فالعقاب البدني يزيد من المشكلة وتتضخم لدى الطفل عقدة الذنب من كونه يعاقب على شيء لا يفهم أسباب عقابه عليه. كما على الاهل ألا يكذبوا أمام أبنائهم ولو على سبيل المزاح، ولا يعدوا اطفالهم بشيء ولا ينفذوه، وهو أمر نهى عنه ايضا ديننا الحنيف، حيث نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث شريف امرأة عن ان تكذب على ولدها، وذلك عندما شاهد امرأة تقول لولدها تعال أعطيك، فقال لها الرسول: وما تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرة. فقال لها: لو لم تعطه كتبت عليك كذبة. وكأن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول للآباء والامهات ألا تكذبوا على أبنائكم، بل اصدقوا معهم حتى يتعودوا على عادة الصدق.
ويضيف الدكتور الصيرفي قائلا: «ان الكذب بعد سن الخامسة تقريبا يكون بداية لسلوكيات الطفل، لذا وجب علاجه قبل أن يصبح الكذب عادة مزمنة وسلوكا معتادا لديه. والطريقة المثالية هي الحديث معه بهدوء عن الكذب كصفة ذميمة وغير مستحبة، وان الناس لا يحبون الانسان الكذاب. من الممكن أيضا أن نسرد له قصصا تؤكد ان من يكذب يواجه مشاكل كبيرة حقا. اما اذا تجاوز الطفل عمر السابعة وكان لا يزال يميل إلى سرد قصص خيالية، فلا بد هنا من تعويده بشكل غير مباشر على سرد قصص بتفاصيلها الحقيقية، كأن يقرأ لنا قصة ونجعله يحكيها لنا بعد ذلك ونشدد على صحة تفاصيلها بلا أي اضافات. كما من الممكن اذا استمر الوضع مع كبر سن الطفل أن ننبهه الى انه سيكون هناك عقاب إذا لم يتوقف عن الكذب مثل الحرمان من النزهة الاسبوعية او اقتطاع جزء من المصروف او الحرمان من اللعب مع اصدقائه او الامتناع عن شراء هدية او لعبة كان يتوق لها. لكن من المهم ان يكون حجم العقاب على حجم الكذبة، بمعنى ان يكون العقاب بسيطا اذا كانت الكذبة صغيرة، والعكس صحيح. ومن المهم للغاية ألا يكون الضرب هو العقاب لأنه ذو تأثير سيئ على نفسية الطفل».ويتابع: "من المهم ايضا مكافأة الطفل عندما يقول الحقيقة، بنفس المعيار الذي كان سيعاقب عليه في حالة ما كذب، فهذا يعزز ثقته بنفسه وبأن الصدق امر جميل يجلب له الهدايا والاشياء الحلوة"
المشكلة التي يحاول الأهل التعايش معها، هي اعتبار هذه الصفة شر لا بد منه، وقد يرفضها البعض الآخر على اعتبار انها خزي وعار يدل على عدم التربية الصحيحة، وان هناك خللا في تقويم سلوك الطفل، لكن قبل الخوض في الناحية النفسية والاجتماعية، لا بأس ان نرى كيف يمكن يؤدي كذب البعض إلى هدم بيوت وتخريب علاقات بعض المعارف. تقول هند، وهي أم لطفل في سن الثالثة والنصف: «لقد كاد ابني أن يجعل زوجي يشك في تصرفاتي. فابني كلما رأى شخصا غريبا ينادي عليه (احمد)، مع اننا في محيط العائلة لا نعرف شخصا اسمه احمد ، وبمرور الوقت اصبح هذا الاسم يشكل هاجسا كبيرا عند زوجي الذي سألني ان كنت اعرف احدا بهذا الاسم. ثم سأل زوجي ابننا عمن يكون احمد هذا، فأخبره انه صديقه الشخصي تعرف عليه من خلال التلفزيون». أما شادن، وهي أم لطفل في الثامنة من العمر، فتقول: «كثيرا ما يضعني ابني في مواقف محرجة للغاية بسبب كذبه المستمر، فهو يضرب اصدقاءه في المدرسة، وحينما تسأله المدرسة لماذا فعل ذلك، ينفي تماما انه من قام بذلك. وفي احد الايام تشاجر مع زميل له في الفصل وقام بدفعه فارتطم زميله بأحد الأعمدة الحديدية في فناء المدرسة وشجت رأسه، وكانت مشكلة كبيرة تم استدعاء اولياء الامور فيها مع عقاب ابني بالفصل 3 ايام، بعد أن أصر على كذبه وانه لم يفعل ذلك، ولم يرض بالاعتذار لزميله».
ياسر، وهو أب لطفلة في الثانية عشرة من العمر، كانت له تجربة مماثلة: «لدي ابنة مدللة للغاية، وفي يوم من الايام اختفى خاتم ذهبي ثمين من علبة مجوهرات زوجتي. ولما كان المنزل لا يوجد به غيري انا وابنتي وزوجتي، فقد بحثنا عنه في كل ارجاء المنزل بلا جدوى، وعندما سألناها عنه قالت انها شاهدته آخر مرة معي، وهو ما أشعل مشاجرة كبرى بيني وبين زوجتي، لم تهدأ إلا بعد أن تكشفت لها الحقيقة عندما كانت تنظف البيت ووجدته بين ألعابها». عن هذه الظاهرة، يقول الدكتور فكري عبد العزيز، استشاري الامراض النفسية والعصبية: «تختلف المراحل السنية للكذب عند الاطفال، فهناك الكذب في مراحل العمر المبكرة وهي الفترة ما قبل سن الأربع سنوات تقريبا، وهناك سن ما بعد الاربع سنوات». ويتابع: «الكذب في المراحل المبكرة من العمر كثيرا ما يمكن اعتباره كذبا ابيض ليس فيه أي سوء نية أو تخطيط من الطفل، وغالبا ما يكون سببه خياله الخصب، أو عدم تمييزهم بين الواقع وما قد يكونون قد رأوه في الأحلام. كما قد يكون محاولة من الطفل لجذب انتباه والديه من خلال تأليف بعض القصص، خصوصا إذا شعر بانصراف الاهل عنه، او كان لديه إخوة أصغر سنا منه يستأثرون باهتمام الاهل بشكل أكبر. وعلى النقيض تماما فقد يكون الكذب منبعه ان الأهل يرحبون بهذا النوع من القصص لدى الطفل ويضحكون عليها، مما يشجعه على محاولة اختلاق المزيد منها لإسعادهم وإدخال السرور عليهم كعامل جذب أيضا». ويؤكد الدكتور فكري «ان المرحلة السنية التالية للاربع سنوات هي الاكثر خطرا في تشكيل شخصية الطفل، حيث يلجأ فيها الطفل للكذب في الغالب لحماية نفسه من العقاب، كما انه قد يعاني من بعض النقص فيحاول الكذب للحصول على أشياء الآخرين، وهنا يتطور الكذب الى السرقة طالما الاهل في غفلة عن الاسباب الحقيقية وراء كذبه. كما قد يستعمل الطفل الكذب للانتقام او إبعاد الشبهات عنه تجاه أي تصرف خاطئ يرتكبه، إضافة إلى انه قد يتعلم هذه الصفة من الأهل بسبب كذبهم أمامه. ولعل معظمنا يفعل ذلك بشكل طبيعي بلا أي احساس بالذنب، كأن يقول للطفل، رد على الهاتف وقل اني غير موجود بالمنزل. كما قد يمتدح الاهل شخصا بوجود اطفالهم ومن بعد رحيله يذمونه ويقولون عنه عكس كل ما قيل من قبل، ومن هنا يترسخ في نفسية الطفل ان الكذب شيء عادي طالما أن والديه يفعلان ذلك. ولا بد هنا من التأكيد على ان الطفل هو انعكاس لتصرفات الأهل وسلوكياتهم».
أما عن كيفية علاج حالات الكذب عند الاطفال، فيؤكد الدكتور محسن الصيرفي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان: «فهي طريقة التعامل معه. فالعقاب البدني يزيد من المشكلة وتتضخم لدى الطفل عقدة الذنب من كونه يعاقب على شيء لا يفهم أسباب عقابه عليه. كما على الاهل ألا يكذبوا أمام أبنائهم ولو على سبيل المزاح، ولا يعدوا اطفالهم بشيء ولا ينفذوه، وهو أمر نهى عنه ايضا ديننا الحنيف، حيث نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث شريف امرأة عن ان تكذب على ولدها، وذلك عندما شاهد امرأة تقول لولدها تعال أعطيك، فقال لها الرسول: وما تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرة. فقال لها: لو لم تعطه كتبت عليك كذبة. وكأن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول للآباء والامهات ألا تكذبوا على أبنائكم، بل اصدقوا معهم حتى يتعودوا على عادة الصدق.
ويضيف الدكتور الصيرفي قائلا: «ان الكذب بعد سن الخامسة تقريبا يكون بداية لسلوكيات الطفل، لذا وجب علاجه قبل أن يصبح الكذب عادة مزمنة وسلوكا معتادا لديه. والطريقة المثالية هي الحديث معه بهدوء عن الكذب كصفة ذميمة وغير مستحبة، وان الناس لا يحبون الانسان الكذاب. من الممكن أيضا أن نسرد له قصصا تؤكد ان من يكذب يواجه مشاكل كبيرة حقا. اما اذا تجاوز الطفل عمر السابعة وكان لا يزال يميل إلى سرد قصص خيالية، فلا بد هنا من تعويده بشكل غير مباشر على سرد قصص بتفاصيلها الحقيقية، كأن يقرأ لنا قصة ونجعله يحكيها لنا بعد ذلك ونشدد على صحة تفاصيلها بلا أي اضافات. كما من الممكن اذا استمر الوضع مع كبر سن الطفل أن ننبهه الى انه سيكون هناك عقاب إذا لم يتوقف عن الكذب مثل الحرمان من النزهة الاسبوعية او اقتطاع جزء من المصروف او الحرمان من اللعب مع اصدقائه او الامتناع عن شراء هدية او لعبة كان يتوق لها. لكن من المهم ان يكون حجم العقاب على حجم الكذبة، بمعنى ان يكون العقاب بسيطا اذا كانت الكذبة صغيرة، والعكس صحيح. ومن المهم للغاية ألا يكون الضرب هو العقاب لأنه ذو تأثير سيئ على نفسية الطفل».ويتابع: "من المهم ايضا مكافأة الطفل عندما يقول الحقيقة، بنفس المعيار الذي كان سيعاقب عليه في حالة ما كذب، فهذا يعزز ثقته بنفسه وبأن الصدق امر جميل يجلب له الهدايا والاشياء الحلوة"
عن منى مدكور\جريدة الشرق الاوسط
تعليقات